بسم الله الرحمن الرحيم
قرأت الطبعة الرابعة من اصدارات هذه الرواية العظيمة وكالعادة يتباهى يوسف زيدان بقدرته المعتادة على التبارز بمفردات اللغة العربية التى يعشقها .. بل ويحاول في كثير من الأحيان ان يشرك اهتمامه بمفردات اللغة مع القراء
تتكون الرواية من ثلاثة أقسام كبيرة منفصلة الأحداث متصلة السياق .. اختار ان يسميها حيوات .. وتلك الحيوات خاصة براوية الرواية .. وهي مارية المصرية .. أو لنقل ماوية الزوجة العربية لسلومة .. ونعلم بعد انتهاء الرواية لماذا اختار ان يسميها حيوات .. يوسف زيدان متمكن من اساليب الرواية جيدا ..ونادرا ما تشعر معه خلال القراءة بملل او استطراد غير مهم للأحداث .. الجنس في روايته ذو حجم مناسب ويخدم القصة ولا تشعر معه بالغرابة .. عندما يتحدث يوسف زيدان عن أحوال المراهقات تشعر معه وكأن كاتبة الرواية امرأة .. هذه الأوصاف تظهر قدرة الراوى حقا على التخيل والغوص في دهاليز الواقع .. لا يصدمك تعرض مارية للإغتصاب وهي صغيرة .. ولا يصدمك أن تعرف ما تقابله البنات في فترة البلوغ .. وأن البنات والأولاد لا يختلفوا كثيرا في الشعور .. ولكنهم يختلفون كثيرا في التعبير عن هذا الشعور .. يتضح ذلك من خلال علاقتها بصديقتها دميانة .. وكيف يتعلق البنات ببعضهن البعض وتتابع ايضا في الحيوة الأولى كيفية التجهيز للزواج في كل ثقافة ..
ينبهنا زيدان ان الواقع المصري لم يختلف كثيرا عن ذي قبل .. العادات المجتمعية نفسها .. اليوم المصري حينها هو يوم عادي جدا الان في اي قرية من القرى المصرية التى لم تطلها يد التكنولوجيا بعد
تصدمنا الراوية "مارية" في البداية أنها بنت في الثامنة عشرة من عمرها يتيمة الأب ولها أخ يصغرها ب ثلاثة أعوام هو بنيامين .. أمها فقيرة وتخدم في قصر الكاهن .. حظها تعيس جدا لأنها عانس وتأخرت عن قريناتها في الزواج برغم جمالها الذى يشهد به أهل الكفر .. وتعانى أمها معها وقد تأخر بها الحال وهى في مثل هذا السن الخطير .. يجول بنا زيدان رويدا رويدا في جغرافية مصر .. معه ستحب الجغرافيا وستزور الزقازيق وبنها وبعض الأماكن كدير العسل وجبل إيل و سهل السكاكين و أيلة المشهورة التى كان يسكنها قوم لوط وستعرف ان علاقة الجغرافيا بالتاريخ وثيقة جدا .. سيجيبك زيدان عن معانى بعض المفردات العربية .. وستتفاجأ ان العرب كانو دائمي الزيارة لبر مصر بحكم التجارة وبهذا يخرس التناعرات المتزايدة .. بأن العرب دخلوا مصر غزاة .. بل كانوا منذ الأمد متركزين في قرى الجنوب وعلى وادى النيل وفي قرية قفط بالصعيد
المصريين كانو إما لا دينيين .. او مسيحيين ملكانيين .. او مسيحين يعاقبة .. والاخرون كانو اشد فقرا من الأوائل .. يستغلهم رجال الدين .. ويستغل الروم حكام مصر رجال الدين في السيطرة على الناس .. تلك الحلقة المفرغة في استغلا الدين في السياسة .. لن تنتهى أبدا على مر العصور .. هكذا يخبرنا يوسف زيدان على كل حال .. لا يجيبنا عن الفرق بين الديانتين ولكنه يترك لنا بعض الخيوط التى ستساعدنا في البحث بأنفسنا عن الفرق بينهم
ستندهش عندما تعرف أن أحداث القصة كانت تحدث في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم .. وأن مارية راوية الرواية .. قد قابلت أثناء سفرها مارية القبطية زوجة الرسول واختها سيرين .. التى كان اسمها في الأصل شيرين وهو اسم فارسي يعني الصغيرة الحلوة ولكن لدغتها في الشين نطقتها سين فصارت سيرين ... وسيقابلوا في الحيوة الثانية اثناء الترحال حاطب بن ابى بلتعة الصحابي .. ولكنه لا يذكره بكثير جلال .. فقط يذكره كإنسان يخطئ ويصيب .. ويذكر ايضا عمرو بن العاص قبل اسلامه .. ويذكر عادة العرب في الترحال وعن معرفتهم الفطرية بالسير والتكيف في الصحراء القافرة الحارقة القاسية ..وعن الاختلافات الطبيعية بين حياة الترحال في الصحراء وحياة الإستقرار في الريف
في الحيوة الثالثة يجيب زيدان عن العديد من التساؤلات التاريخية .. هذه لعبته بالأساس .. يسرد لك الصراعات السياسية التى كانت تحدث في تلك الفترة .. ويفصل بقليل من التحيز بين الدين الإسلامى والدولة الإسلامية ..في كلا الأحوال هوا يترك لك حرية التعليق على الأحداث وحرية البحث عن الحقيقة ... وفي ذروة الأحداث يبين لك ماهية النبطى .. وأراءه وفلسفته في الحياة والدين .. عموما فكرة ان كل الذكور يكمن بداخلهم اناث والعكس فكرة تستهويني انا شخصيا .. ويخبرنا عن ديانة الذين كانوا يعبدوان اللات .. وستعرف ان اللات كانت الهة انثى .. انجبت ابنها إيل الاله وان كل انثى في الدنيا هي أم وكل ذكر في الدنيا هو ابن .. ويخبرنا عن طريقة تكون الكون في تلك العقيدة وكيف ان اتباع كل عقيدة مقتنعون تماما بما يعتنقون من دين ولن تغير نظرتك شيئا فيما يعتقدون حتى وان ظهر ان ما يعتقدون هو محض سخف ..
زوج ماريا اسمه سلامة (سلومة) العرب كانوا يطلقون على الواحد العديد من الأسماء وكذلك المصريين .. سلامة هذا له العديد من الأخوة .. الهودي .. الذى يعتنق اليهودية ولكن اليهود يرفضونه فلا هوا أممي بلا دين ولا هو يهودي فأٌطلق عليه الهودي .. هو أخوه الأكبر ولكن من أم أخرى غير أم أخوته المعروفة باسم أم البنين .. وأم البنين هذه كانت تعبد اللات وماتت على كفرها بالله .. ولكنها كانت حكيمة تسير أمور القبيلة .. وفي هذا رد على من يتغنى بأن المرأة كانت مظلومة دائما في تلك الفترة وفي القبائل العربية عموما ..
يأتى صريع العواتك في الترتيب الثانى .. اسمه في الأصل مالك .. زير نساء منذ صغره .. واكتسب اسمه لأنه تعرض للمشاكل بسبب حبه لثلث نساء كلهن اسمهن عاتكة .. هو يتزوج اثنتان واحدة من الشام هي أم اولاده .. وفي الشام تجارته ومصدر كسبه وعيشه .. زوجته الثانية هند زوجة عاقر تأتى من قبيلة جنوبية في نجران يطلقها اخر الأمر لأنها عاقر ولأنه عموما مولع بالنساء ..
يأتى في الترتيب الثالث النبطى .. هو بطل الرواية .. كان اسمه قبل ان يتنبى يونس .. تحبه مارية .. ولكن ليس لها من الأمر شئ فهى لم تختر ابتداءاً زوجها العقيم .. ولم تختر حبها للنبطى الذى يدعى النبوة ولكنه لا يجتهد في نشرها .. يقرأ النبطي ايات من القران .. يجلها ويحترمها وتؤثر فيه .. ولكنه لا يُسلم .. ولا تنبئنا الرواية عن مصيره ..لا يسعنى هنا الحديث عنه لأنه بطل الرواية ومحورها ..
و يوجد ايضا عميرو إبن اخ زوجها .. يعجب كثيرا بعمه النبطي وهوا نشيط يحب الترحال والسفر يتزوج في الخامسة عشرة من عمره وهذه السن الطبيعية للزواج وقتها .. هم بدو رحل يسكنون منطقة البتراء في
تتعرف أيضا مارية على أخوات زوجها صفا المتلفتة وليلى التى تزوجت مرتين .. وليلى هي التى ساعدت مارية في ليلة الدخلة .. وأن الأمور تتشابه كثيرا فقط الزمن هو الذى يتغير ولكن العادات والتقاليد صعبة التغيير .. تُسلم مارية بإسلام زوجها ويتتابع الوصف وتتوالى الأخبار ويتغير الزمان ويبقى المكان .. مارية لم تنجب أبناء في الرواية بسبب عقم سلومة الذي تزوج من قبلها عدة نساء و لم ينجب ، في الرواية توجد متعة الأسفار و متعة التاريخ و الألم و الأمل و الذكرى ، الحب و الغدر و الكثير جدا غير ذلك.
عموما أثرت في هذه الرواية كثيرا كما أثرت في كثير غيري
بقراءة هذه الرواية عرفت معنى الزقازيق .. اغنية يا جميل اللمى وحلو التثنى .. طبيعة الاناث الخفية المجهولة والغير مأمونة العواقب .. معنى حادى العيس .. كيف دخل اليهود إلى مصر واستوطنوا فيها .. والكثير الكثير مما لا يمكن حصره
1 comment:
اهنئك اخي علي هدا المقال
Post a Comment