تقرير نُشر لي في https://fanack.com ( يناير 2017)
هل يمكن أن تشهد مصر فقاعة عقارية خلال السنوات المقبلة؟
أصبح استشراف مستقبل الاقتصاد المصري أمرا بالغ الصعوبة، هكذا يحكي المهتمّون بما تبقى لهم من أموال وآمال، في ظل سوقٍ مُتقلّبٍ كالسوق المصري وأوضاعٍ سياسيةٍ حادّة تمرّ بها المنطقة مُنذ مطلع العِقد الحالي. وتتزايد الصعوبة إذا ما أُخذ في الاعتبار غياب المعلومات الأساسية والضرورية لتحليل الوضع الاقتصادي، في ظل غياب معلومات وإحصائيات دقيقة.
والمشكلة الأُخرى أنّ سوق العقارات بطبعه ذا طبيعة ضبابيّة؛ فالسوق لا يوجد له معايير مُحدّدة يمكن أن تُشكّل مرجعيّة مُعتبرة في تحديد مسارات الاستثمار في هذا السوق، ولكن يُمكن اعتبار أسعار الأراضي، و مُقارنتها بمتوسطات الدخول، وأسعار الفائدة في البنوك، وفروق العملة الأجنبية، معايير مبدئية لاستشراف مستقبل سوق العقارات في مصر.
مصر ما بعد التعويم
في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2016 قام البنك المركزي المصري برئاسة طارق عامر باتخاذ أكثر القرارات جرأة، تحرير سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية بما يُعرف بـ "تعويم الجنيه"، هذا القرار ترتب عليه انخفاض قيمة الجنيه فورياً بنسبة 32.3% إذ كانت قيمة الجنيه مقابل الدولار تساوي 8.88 جنيه مصري، وارتفعت فجأة إلى 13 جنيهاً مقابل الدولار، عند بداية التعويم في منتصف الشهر، واصل الجنيه انخفاضه أمام الدولار نتيجة عوامل كثيرة أهمّها عدم إمداد البنك المركزي للبنوك بالدولار اللازم لتثبيت سعره، وارتفع بذلك السعر ليجاري أسعار السوق السوداء.
وحتى وقت كتابة هذه السطور فالدولار الأمريكي على عتبات أن يقابل 20 جنيهاً مصرياً، أي أنه انخفض بأكثر من 50% من قيمته أمام الدولار، عموماً كانت هذه خطّة البنك المركزي برئاسة طارق عامر للحد من انهيار العملة المصرية وتثبيت الاقتصاد. وهي الخطة التي جاءتتنفيذاً لقرارات صندوق النقد الدولي لمنح الحكومة قرضاً بقيمة 12 بليون دولار مُقسّمة على ثلاث سنوات.
فور حدوث التعويم توقّع الكثيرون أن يُحدث التضخم أثراً ملحوظاً في القدرة الشرائية لدى المصريين، توالت نكبات ارتفاع الأسعار في السلع الأساسية ومن بينها الزيت والسكّر حتى وصلت لأسعار غير مسبوقة، كما ارتفعت أسعار السلع المُعمّرة، والسيّارات، ومواد البناء بشكل جنوني؛ فماذا فعل "متوسطو الثراء" من الفئة المتوسطة؟
هل يصلح العقار ليكون وعاء ادخار؟
طالما اعتبر المصريون أنّ سوق العقار وعاء ادخار مثالي، خصوصاً في ظل وجود عائد "مضمون" على الاستثمار العقاري، ومظلة لا بأس بها في قطاع التمويل العقاري والائتماني، التي توفّر قدراً ما من الأمان والموثوقية، لكن يرى بعض المُحللين أنه إذا ما استمرت الأمور بهذا النسق، ستزيد الفقّاعة بغض النّظر عن حركة البيع والتداول؛ إذ أنّ التمويل الائتماني هو المُحفّز دائما لعمليات التصحيح في الأسعار وذلك لتخطّي الضُغوط الحادثة عند تعثر السداد.
"متوسّطو الثراء" من الطبقة المتوسطة، أصحاب الثروات التي لا تتعدى في الغالب عشرة أضعاف دخلهم السنوي، عند حدوث أزمات مشابهة، يهرع مواطنو تلك الطبقة لحفظ أموالهم في إحدى ثلاث صُور رئيسية: عُمُلات أجنبية -دولار غالباً-، أو مَصوغات ذهبية -حُلي زينة أو سبائك-، أو آخيراً استثمارها في سوق العقارات. لكن يختلف الاستثمار العقاري عن سابقيه في طول مدة جني العائد نسبياً، وصعوبة تسييل الأصول في وقت قصير وفوري، بعكس الأوعية الإدخارية الأخرى مثل العملات الأجنبية والذهب.
في الغالب فإن اقد ينتج عنه فقاعة عقارية كبيرة؛ إذ يهرع "متوسطو الثروات" لشراء الشقق السكنية والأراضي بغرض بيعها لاحقاً، وتحقيق أرباح كبيرة في فترة قصيرة نسبياً، مما سيزيد الطلب على المعروض في فترة وجيزة جداً، وفي ظل غياب السيولة الكافية، يلجأ المواطنون الخائفون لأخذ قروض عقارية يتم تسديد أقساطها من رواتبهم، في انتظار مُدد تتراوح من 3 سنوات وحتى 7 سنوات، من الممكن أن يبحث المالك الأصلي في هذه الفترة عن مشترٍ آخر يريد أن يحفظ ما معه من أموال في صورة عقار، ويحقق الأول ربحاً ما نظير فرق سعر يتعرّض للزيادة على مرّ السنين. ما الخطر إذاً من وجود سلعة مرغوبة تُحقّق غرض حفظ القيمة وتوفّر استثماراً مضموناًً لصاحبها؟ بل وأحياناً تُحقق فُرص زيادة في أصل رأس المال أكثر من استثمارها كوديعة في البنك مثلاً؟
أنت تسأل وساويرس يجيب
ربما كان "سميح ساويرس" من رجال الأعمال الذين يُفضّلون البعد عن الكاميرات، وتجنّب الأحاديث الصحفيّة، لكن إبّان أزمة "تعويم الجنيه" وما تبعها من اضطرابات صرّح ساويرس لجريدة "ديلي نيوز مصر" وغيرها من الصحف، أنّ سوق العقار في مصر سيشهد "فقاعة كبيرة"، وأضاف:"هوامش الربح جنونية، وسوق العقار مزدحمٌ بالمطوّرين، بالرغم من أنّ سوق العقارات في مصر ينكمش، إلا أن الأسعار في ازدياد!".
وتابع: "إنّ هذا الأمر خطر جداً؛ فحجم المعروض المرتفع من العقارات سيحوّل الزبون إلى بائع لأملاكه العقارية في اليوم التالي، وهو ما يفاقم المشكلة".
هل نحن على أعتاب أزمة مالية؟
في 2008 مرّت الولايات المتحدة الأمريكية ووالدُول التابعة اقتصادياً لها بأزمة مالية طاحنة امتد أثرها لبضعة سنوات، كانت بداية الأزمة عندما أقرضت البنوك الأمريكية المواطنين "محدودي الثروات والدخول" قروضاً باهظة لشراء منازل، مع إعطائهم تسهيلات في السداد لزيادة الجذب التجاري ،وترتّب على الأمر أن اقترضت تلك البنوك ما يُغطّي هذه المبالغ، لكن في ظل عدم إمكانية توفير سيولة كبيرة، تم إقراض تلك البنوك سندات عقارية بقيمة الأوراق المالية المُقرضَة، واستمرت الأزمة بأن احتاجت تلك البنوك هي الأخرى ضمانات تغطي قيمة السندات المقرضة وهكذا..
وعندما تعثّر "محدودو الدخل" في السداد انخرط الكثيرون من هؤلاء المواطنين في التهافت على استصدار "بوالص تأمينيّة" لضمان عدم الحجز على منازلهم نظير ما يدفعونه لشركات التأمين من أموال شهريّة، سال لعاب شركات التأمين فاشترت أيضاً في تعميق الأزمة، وهكذا زادت الديون وزادت قيمة المُخاطرة، وزاد معها من أعلنوا إفلاسهم.
وفي ظل عدم وجود سيولة حقيقية مع الأفراد أو البنوك المُقرضة، أصبحت كل تلك الديون حبراً على ورق، وعندما قامت البنوك بأخذ المنازل لبيعها أصبح المعروض أكبر جداً من الطلب عليها؛ فهبطت أسعار المنازل بشكل حاد، الأمر الذي استدعى تدخّل الحكومة الأمريكية لدعم البنوك، وشركات التأمين المُفلسة.
ربما يقول البعض أنّ أزمة كهذه بعيدة عن سوق العقار المصري بل وربما العربي، إذ أنّ الرهن العقاري في مصر لا يوجد به ما يُعرف بـ"المشتقّات المالية" التي سببت أزمة الفوائد التراكمية لتلك الديون وبالتالي انخفاض أسهم البورصة، ولكن يردّ آخرون أن وقوعها في ظلّ حكومة بها عجز فادح في ميزان المدفوعات واحتياطي النقد الأجنبي يجعل احتمالية حدوثها واردة جداً!
عموماً فالمجموعات المصرفيّة المُتخصصة تعمل على تحديد مُعامل "الإيجار مقابل السعر لكل وحدة سكنية"؛ بحيث تستطيع أن تستشفّ معامل التملك مقابل الإيجار، وهو الأمر الذي فقّاعة العقارات القادمة في مصر.. شر أكبر من هذا سوف يجيء!
سيحدد بشكل أساسي جدوى الشراء مقابل جدوى الإيجار كـ"قرار استثماري" عقلاني إذا ما تمت المقارنة بين أدوات الاستثمار المتاحة.
في النهاية، هل يستفز الوضع الحالي بعض تكهّنات الاقتصاديين التي ربما تتحول إلى حقائق في وقت قريب نتيجة تواصل تداعي الاقتصاد المصري؟ هل يساعد مطوري سوق العقار في تقدير حجم الضرر الذي سيلحق بالاقتصاد حال انهيار سوق العقارات المصري الذي كان يعد قبلاً "صمام أمان" أوقات الأزمات؟ الأكيد أن الأيام القادمة تحمل الكثير من المفاجآت.