Friday, March 21, 2014

Status 6

بسم الله الرحمن الرحيم 

ما يجعل قصة يوسف أحسن القصص على الإطلاق أمران .. أولهما : انها بدأت بمقدمة تقرر ذلك .. يعني من مِن الرواة من يمتلك الشجاعة الكافية ليقول ان قصتى هي أحسن القصص ؟ .. هكذا بلا مواربة أو مجاز .. خصوصا وأن أحداث القصة معروفة متواترة على مر الأجيال يحكيها السلف لخلفه كيف يمكن لأحد ان يصنع قصة عظيمة في ظروف مماثلة . وحده الله يمتلك تلك القدرة على التحدي

وثانيهما : انها تترك للقارئ حريته في تخيل الأحداث و إصدار الاحكام دون تأثير من الراوى في ذلك - بخلاف القصص القرآنى الآخر- فالله عز وجل لم يصدر أحكاماً على أبطال القصة .. فقط يذرك وما تعتقد فيهم لتبني وجهة نظرك ومنطقك الخاص بنفسك .

تبدأ القصة بالبطل "يوسف" يروي مناماً غريباً قد رآه البارحة لأبيه .. تتخيل الآن أنهم في الصباح في اليوم التالي للمنام ومن الجلي أن المنام قد ارق صاحبه فلم يتأخر في سرد احداثه .. و يتضح ان علاقة يوسف بابيه من القوة بحيث يجلسان مع بعضهما لفترات طويلة دونا عن بقية اخوته .. ونتيجة لمتانة هذه العلاقة يصارح يوسف ابيه بمنامه دون خوف ان يهزأ به او تسفه رؤيته ... فقط أجاب الأب بكلمات مقتضبات .. تعي جيدا انه يعرف التفسير ولكنه لا يخبر به ولده أملا منه الا تتحق الرؤية .. فقط ينصحه بأن لا يخبر اخوته بهذه الرؤيا .. ويخبرنا الله/الراوي ان جلسات تفسير الاحلام تلك ما هي الا تأهيل ليوسف واستزادة له في الحكمة والخبرة وتمهيد للنبوة التى اعطيت لأجداده إبراهيم واسحاق من قبل .. وبعد هذا الاستطراد بعيدا عن سياق القصة يعيد الله القارئ الى السياق مرة أخرى معلنا ان قصة يوسف واخوته تلك فيها ايات للسائلين .. كل هذه المقدمات تمهد لك أحداث القصة الغريبة.

لم يخبرنا الله صراحة ان اخوة يوسف لديهم احقاد غير مبررة تجاه اخيهم ولم يطلق عليهم حكما مطلقا .. فقط أخبرك انهم مستاءين من جلسات يوسف الطويلة مع ابيهم دونا عنهم لم يخبرنا الله ان يوسف كان يفيض بالحكمة في تلك السن او انه كان أجملهم مثلا ... فقط قالوا ان يوسف احب الى ابينا منا وهو امر ليس بالهين عندهم .. ولكنه من الأهمية بمكان حتى يقترح احدهم ان ينهي هذا الجدل وأن يطرحوا يوسف ارضا .. يصمت الجميع فهم يريدون النيل من يوسف ولكن ليس لهذه الدرجة من العنف .. فيخرج احدهم بفكرة القاءه في البئر ويتضح من قوله " ان كنتم فاعلين " انهم مترددون قد اعياهم التفكير واحتال الامر عسيرا عليهم .. لم يقل الله مثلا انهم كانوا قوما كاذبين او مجرمين ، ولكنه يتركك تكمل سياق الحكاية لتستنبط وحدك - وبكل طمأنينة - انهم كذلك .. سيدعك الله تغرق في الأحداث .. ستتخيلهم في مجلسهم يتآمرون مستنكرا فعالهم متعاطفا مع صاحب فكرة القائه في البئر حيث انها - برغم قسوتها - تبقى اقل عنفا من سابقتها ..المشهد التالي مطنقطة تحول في مسار الاحداث .. حجة واهية تلقى على ابيهم .. تحس حينها ان يعقوب قد اغمض عينه أسفا أن رؤية ابنه تتحق أمامه ولا يستطيع فعل شئ .. هو يعرف ان يوسف ليس ذلك الصبي الذي يحب اللعب فولده الذي تستشكل عليه امر رؤيا رءاها لا يناسبه اللعب في البراري ولا سيما مع اخوته الذين لا يعنيهم باي حال من الاحوال امر اخيهم .. تتعجب من كذبهم وتتعجب من رد يعقوب .. يا رجل كيف توافق تاركا ولدك مواجها مصيره الذي تعلم؟ .. حتى ضربه لمثال الذئب ذلك لم يكن مناسبا لمن أعمى الحقد بصيرتهم أراد ان يستثير فيهم احساس امانة الراعي الذي يخشى على نعاجه الثمينة من الذئاب .. ويجيبون غير مدركين مقصد ابيهم فيعتبون عليه انه يشك في حسن ادارتهم للأمور .. وحينها يختلج في صدر يوسف ان اليوم لن يكون يوما عاديا .. هو يرى اخوته يتشاورون بينهم منهمكين في امر جلل .. لكن شئ ما يطمئنه انه يوما سيعرف ما يضمرون له بل سينبئهم به .. حتما سيخبرهم بذلك يوما ما .. لكن ليس الان .. يأتى المشهد التالي بحجتهم الواهية المفضوحة في اكل الذئب ليوسف ... تجد نفسك تصرخ في وجه يعقوب : ( يا رجل كيف انطلت عليك حجتهم مكتفيا بقولك فصبر جميل .. يا رجل افعل شيئا !!) يتألم يعقوب ويطرق رأسه تجاه الارض في صمت .. لا يسمع حرفا مما يقولون .. يشعر بالأسى من تحقق الرؤيا وأنه ليس من قضاء الله مفر .. تشعر به يحدث نفسه احقا تخلصتم من فلذة كبدي بكل هذه البساطة ؟ .. أحقا تنتظرون منى ان اصدق كذبكم .. انتم حتى لم تبذلوا جهدا في حبك القصة .. استخدمتم المثال الذي ضربت لكم كيلا اشك فيكم .. ليتنى لم أضرب لكم مثل الذئب .. ليتنى احتفظت بيوسف ومنعته من الذهاب معكم .. ولكن هل كان ذلك ليمنع قضاء الله ؟ حسنا أكذبوا الكذبة تلوا الاخرى اكشفوا عن زيفكم وحقدكم وسذاجتكم بالدماء التى صبغتم بها قميص يوسف .. انه لذئب كريم ذلك الذي يأكل ابنى ويترك قميصه لتحضروه لي .. أمام صمت أبيهم الطويل ينتهي كلام الإخوة بقولهم وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين تشعر بعدها انه اعتزلهم بعد هذه اللحظة الى الابد .. ينتبه عقلك فجأة متساءلا .. ترى ما حال يوسف الان ؟ لا يجيبك الله بسرعة فقط يتركك تتخيل مجموعة مسافرين انهكهم العطش وقد تشبثوا بالأمل ان يجدوا ماءا في البئر الذي بدأ يظهر في الأفق .. يستحثون سير دوابهم تجاه البئر ينزلون دلوهم ليروا يوسف .. ويعود بطل القصة الرئيس الذي يدير دفة الأحداث .. تصاب ببعض خيبة الأمل من تصرفهم .. فبحق الله كيف تجدون صبيا في بئر في الصحراء فتقررون بيعه .. الم يكن حري بأحدكم ان يتخذه ولدا له وربما تعرف الى فتاة جميلة ما في قبيلتكم وتزوجها وتتخذ قصة يوسف منحى اخر ؟ ولكنك تتابع القراءة متشوقا ..