Saturday, December 31, 2016

هل تساءلت أي الهياكل الوظيفية أفضل لشركتك؟ الرأسي أم الأفقي؟

الموضوع الأول المنشور لي في إينوفينجن - محرك الأفكار (النشر: ديسمبر 2016)

هل تساءلت أي الهياكل الوظيفية أفضل لشركتك؟ الرأسي أم الأفقي؟

لقد بدأت شركتك بالفعل، بعد شهور من دراسة وتحليل السوق، وتنظيم علاقات العمل، واستصدار التراخيص اللازمة، لقد بِتّ الآن من أصحاب الأعمال، لكن بقي أخيراً عبء تنظيم هذه الشركة الوليدة؛ يكمن سر نجاح شركتك الناشئة في الاختيار الجيد لأسلوب الهيكل التنظيمي في شركتك؛ بل يُمكن الجزم بأنّ له دور إداري كبير في نموها. إن أحد أسباب طول المهام، وتعقيد الإجراءات وبُطء سير المعاملات الذي قد يظهر في بعض الشركات أو المُنظمات، قد ينتج أحياناً بسبب وضع هيكل إداري غير مناسب؛ ذلك لأنه عادةً ما يتم بناء الهيكل التنظيمي للشركات بحسب حجم وطبيعة واستراتيجية العمل فقط وقد لا يؤخذ بعين الاعتبار المتغيرات المستمرة المؤثرة في الشركة. لذلك ظهرت الحاجة لوجود أنواع مختلفة من نماذج الهياكل التنظيمية وسيذكر التقرير منها الأكثر تداولاً مروراً بمساوئ ومحاسن كل هيكل إداري.

كيف بدأت الهياكل التنظيمية في التعقيد؟ 

يُعتقد أن الثورة الصناعية وما رافقها من زخم كبير في ميكنة التصنيع، دعت الحاجة لظهور نُظم إدارة أكثر تعقيداً ليتم السيطرة على قطاع كبير جداً من العُمّال، إذ أن أصحاب الشركات كانوا في بادئ الأمر غير خاضعين لسيطرة الحكومات؛ الأمر الذي أثّر بالسلب على حقوق العُمّال في تحديد أجر وعدد واضح ومنتظم لساعات العمل، وبالرغم من أنّ الأساس هو أن يضمن نظام العمل الإبقاء على طرفي العلاقة في حالة إتزان بين مؤدي العمل (باذل المجهود) وصاحب العمل (باذل المال) فإن الأمر لم يكن دوماً بهذه المثالية، فصاحب العمل يسعى دائماً لدفع أقل كمية من الأموال نظير الجهد المبذول من العامل/الأجير، بينما يسعى العامل مدفوعاً بغرائزه الإنسانية لبذل أقل المجهود والحصول على أعلى ما يمكنه الحصول عليه من أجر.

"الهيكل التنظيمي - organization structure" هو الركيزة الأساسية في شركتك التي يتم من خلالها بيان كيف تُوزع القُوى؛ فعن طريق تحديد المسؤوليات يظهر دور ومدى تأثير كل فرد في الشركة؛ وبالتالي فإنّ وجود هيكل تنظيمي مُناسب يُعبّر عن الخطّة التي سوف تُستخدم في توزيع المهام والأنشطة على العاملين في المُنظّمة، وتوكيل المهام للعاملين وفق تخصصاتهم المُختلفة؛ ويتم هذا الأمر تحت الإشراف والتنسيق لتحقيق أهداف المنظمة المُعلنة للجميع، وهذا النّظام يُمكن اعتباره بمثابة خريطة توضّح خطة عمل المُنظَّمة مُستقبلاً؛ ويحدد أيضاً آلية توزيع المهام على الأفراد للوصول إلى الأهداف المنشودة، وتعتمد هيكلة أي شركة أو مُنظّمة على أهدافها المُحددة سلفاً التي تتطلع لتحقيقها.

الهيكل التنظيمي الرأسي (الهرمي)

يعد هذا الهيكل التنظيمي أكثر الهياكل شيوعاً في الشركات الحكومية والبيروقراطية إذ أنه يسمح باتجاه واحد فقط لإعطاء الأومر من أعلى المنظومة إلى أسفلها، ولا يسمح بالعكس. و فيه يتم تجميع كل تخصص وظيفي في إدارة واحدة فيكون هناك إدارة مالية واحدة و إدارة هندسية واحدة و إدارة مخازن واحدة و إدارة صيانة واحدة..إلخ، يعيب هذا النظام قلة المرونة و سوء العلاقة بين التخصصات المختلفة و طول الهرم الوظيفي بمعنى أن مستويات الإدارة كثيرة.أمّا ميزة هذا النظام هو أنه اقتصادي لأننا لا نحتاج لأكثر من إدارة واحدة لكل تخصص، في هذا النظام كل شيء مركزي. كذلك يستفيد كل موظف من خبرات زملائه في نفس التخصص لأنهم يعملون في نفس الإدارة أو القطاع. وذلك قد يفيد في تراكم الخبرات ولكن هذا الهيكل التنظيمي سيكون بمثابة حجر عثرة أمام محاولات التطوير والتدريب المستمرة؛ إذ أن الهيكل يتطلب المرور بعدة مستويات من الإدارة للموافقة على طلب ما. إذا كانت شركتك تعمل في مجالات البرمجيات و التصميم، فحتماً لا تتبع هذا الهيكل التنظيمي؛ لأنه شديد التراتبيّة وهذا لا يناسب الشركات التي تعتمد على عقول موظفيها! 

الهيكل الوظيفي الأفقي (المُسطّح)


هذا الهيكل التنظيمي مُناسب جداً للشركات والمُنظمات المرنة والمُتنقلة، لا يهتم هذا النوع من الهياكل التنظيمية بالألقاب أو المسميات الوظيفية؛ بل حتى لا يتم الاهتمام هنا بعامل السن كمعيار وحيد لتحديد الخبرة، وقد يُوصف هذا الهيكل التنظيمي بأنه "ذاتي الإدارة- Self managed" كل فرد في هذا النظام يعرف مهام عمله جيداً ويؤديها بكفاءة وسرعة دونما تلقي أية تعليمات من مدير مباشر، الاتصال بين الأفراد يكون أيسر وأسهل، يناسب هذا الهيكل التنظيمي الشركات والمنظمات التي تتواصل عبر الإنترنت، أو الأعمال التي تعتمد على نظام الـ Freelancers؛ بالطبع قد يعتبر البعض أن العمل بلا رئيس مباشر هو النعيم بعينه، لكن هذا النظام يناسب فقط الأشخاص الذين يمكنهم تحمّل مسئولية أفعالهم وقراراتهم ولهم خبرة سابقة في إنشاء وتطوير المشاريع، وحتماً هذا النظام شديد الفعالية في الشركات الصغيرة والمتوسطة المرنة، ومنظمّات المجتمع المدني، لكنها لا تناسب الشركات الكبرى ذات الجنسيات المتعددة؛ ليس ذلك عيباً في هذا النظام، ولكن تطبيق مثل هذا النظام على الشركات الكبرى متعددة الجنسيات يعني بداية متأخرة واستنزاف كبير للموارد المالية. ربما يكون تطبيق هذا الهيكل التنظيمي مُفيداً جداً في شركتك الناشئة في مجال البرمجيات أو المقاولات مثلاً لكن إذا كانت خطتك أن تتوسع وتتمدد في حجم أعمالك فهذا النظام لن يكون مناسباً بكل تأكيد.

وينبغي أيضاً العلم أن هذا النظام ليس مناسباً أبداً للموظفين "النرجسيين" الذين تتركز شخصياتهم حول ذواتهم، فوفقاً لتقرير نشرته مجلة هارفارد للأعمال، فإن هؤلاء الأشخاص في نهاية المطاف وإن كانوا يملكون أفكاراً رائعة ولكنهم يجدون صعوبة بالغة في نقلها إلى أرض الواقع، لأنهم غالباً ما يحتاجون أشخاصاً آخرين للقيام بالمهام الموكلة إليهم في الأصل، وهذا ما يتعارض جملة وتفصيلاً مع طبيعة الهيكل التنظيمي الأفقي (المسطّح). 


الهيكل الوظيفي الرأس-أفقي


كما يبدو؛ فإن هذا النظام يعتبر الأنسب بين النظامين السابقين فهو يستغل مميزات الهيكل التنظيمي الهرمي، ويستبعد عيوبه في إصدار ونشر الأوامر، كما أنه يستغل مميزات النظام المُسطح في تكوين قادة فرعيين لحل المشكلات الصغرى وتكوين أنوية لمديرين مستقبليين في غاية السهولة والسرعة؛ يكون هذا النظام فعالاً جداً في الأنشطة أو الشركات التي تعتمد في أعمالها على القطاعات؛ بحيث يتم تجميع العاملين المختصين بمنتج معين أو خدمة معينة في قطاع واحد. مثال: مصنع ينتج منتجين أو له مصنعين أ و ب يتم تقسيم الشركة إلى قطاعين أ و ب و كل قطاع يتبعه كل خدماته - تقريبا- من إنتاج و صيانة و مالي ومخازن..إلخ، ولكن من الواجب ملاحظته أنه مع استخدام هذا النظام فإنه قد يتم أحياناً الإبقاء على بعض الإدارات مركزية مثل إدارة الموارد البشرية مثلاً.قد يكون هذا النظام هو الأمثل بالنسبة للشركات سريعة التمدد، وهو يكون كنتيجة منطقية للتطور من النظام الأفقي (المُسطح) لذلك يطلق على هذا النظام (flatter) أو ما يتم ترجمته بتقصير مُخل لـ"أكثر سطحية" لكن في واقع الأمر هو نظام يجمع بين مميزات النظام الهرمي والمسطح مع تلافي الكثير من عيوبهما، ولكن على الأصحاب الشركات التي تتبنى هذا النظام أن يكرروا باستمرار على آذان العاملين لديهم أن هذا النظام شديد المُناورة وسريع التغيّر، فربما لا يناسب هذا النظام الموظفين الباحثين عن الاستقرار الطويل المدى. هذا النظام تميل إليه الشركات الكبرى عابرة القارات ولكن ينبغي الحذر عن تطبيقه إذ أنه يترتب عليه معدلات مرتفعة لـ"تبديل الموظفين Turn-over" ولكن هذا لا يكون عادةً أمراً مقلقاً في الشركات التي تقدّم خدمات أو منتجات مُستقرة بحيث تكون الخدمة أو المنتج لا تتوقف على مهارات مُوظّف بعينه. 

الهياكل التنظيمية النصف مركزية


يظهرجليّاً أن هذا الهيكل التنظيمي قد جمع مميزات النظام (الرأس-أفقي) والنظام الأفقي المُسطح، هذا النظام يكون نافعاً جداً للشركات التي تحوي وحدات تطوير وابتكار مختلفة داخل الشركة الكبرى؛ إذ يوفر هذا النظام حرية كبيرة جدا لمجموعات العمل، بينما يبقيهم كذلك محاطين في التنظيم الكلي للشركة، فهو يقدم كل مميزات النظام الأفقي المسطّح و يتلافى عيوبه عن طريق استبدالها بهيكل تنظيمي "رأس- أفقي"، ولكن هذا النظام لابد أن يتم تجربته أولاً لبعض الوقت إذ أن تطبيقه مثلاً في شركة كبرى كشركة "جوجل" يختلف عن تطبيقه في شركة "لينكد إن" مثلاً إذ أن لكل شركة ظروفها الخاصة.



الهياكل التنظيمية الدائرية


في هذا الهيكل التنظيمي تعطى حريّة أكبر لمجموعات العمل والإدارات الصغرى المختلفة للعمل بشكل مُنفصل و منفرد تماماً، ولكن مع وجود نام ما يضمن نقل التعليمات والخبرات فيما بينها، قد يبدو هذا التقسيم جلياً جداً في المنظمات/الشركات الصحفية. إذ يكون لكل قسم أعضاء وأهداف مختلفة عن القسم الآخر فطريقة العمل في قسم الرياضة مثلاً يختلف عن طريقة العمل في القسم السياسي مثلاً ولكن يجمعهم في نهاية الأمر لوائح وقواعد موحّدة لتنظيم العمل بين الأقسام وبعضها، قد لا يبدو هذا النظام جيداً في الشركات التي تعتمد على الإنتاج المستمر الذي يتطلب نظاماً ما أكثر استقرارً؛ لكنه يثبت فعاليته في المنظمات ذات المُنتج المتغير بشكل متسارع ومختلف كالصحافة مثلاً.

عموماً لا يوجد بالطبع نظام وحيد يمكن تطبيقه في كل الشركات والمنظمات، فالأعمال المختلفة وشخصيات الموظفين المتباينة والأهم من ذلك أهداف الشركات المختلفة هي التي ترجّح كفة نظامٍ ما أمام نظامٍ آخر، وبشكل عام فاختيار نظام ما هو حجر زاوية في أركان أي شركة ناجحة، الاختيار المناسب هو المفتاح نحو شركة ناجحة وتنمو باطّراد. لكن الأهم هو التزام كل من صاحب العمل والموظفين بتطبيق النّظام، لأن هذا ينعكس بشكل مباشر وواضح في الأداء العام للشركة ومدى رضاء الموظفين والعُملاء عن شركتهم.