Wednesday, September 6, 2017

أيام الجيش 8


نفس اليوم  الساعة 7:30   مساءاً 

احنا  دلوقتى  قاعدين  على  قضبان السكة الحديد  مستنيين  القطر ... الجو  ساقعة اوي  والحديد  بارد جدا  وعلى مد البصر يمين وشمال  عساكر  قاعدة  .. سمعنا  صوت  زعيق وخناق .. اتضح  ان ظابط  صغير  ضرب عسكري على وشه  .. العسكري  حب  يتّبع  الميري ويروح  يتظلم  للرتبة الأعلى .. اللي  هو كان "ظابط عظيم  القطر" .. ورتبته  رائد ( نسر على كتافه من غير نجوم ) الولد  كان  بيعيط  وجيب الزنط  مقطوع  (الجاكت في الجيش اسمه زنط).. وواقف قدام الرائد  انتباه وعمال يتكلم  بحرقة وبيقول له: "أنا بتظلم أهه  وعايز حقى" .. الرائد  ساب كل حاجة وقعد  يقله اتكلم عدل ووطي صوتك..  الواد مكنش عارف يتكلم من كتر العياط  ..  وكل ما يتكلم الرائد يقول له وطي صوتك  .. وخده على جنب  بعيد  .. انا  قلبي انكسر للواد  ده أوي  ولسة فاكر الموقف  لحد  لوقتى كأنه امبارح  .. معرفش الواد ده عمل ايه  .. ممكن يكون عمل حاجة كبيرة .. وممكن  يكون الظابط  الصغير عايز كبش فدا عشان الباقيين  يترعبوا ويتم السيطرة عليهم .. المهم  ان في كلا الحالتين مينفعش حد يضرب حد كحل  لمشكلة ما او كنوع من العقاب مثلا  ...

واحنا  قاعدين .. كان  في واحد  بيعدي علينا  بشاي  .. انا مرضتش  اشرب عشان  موضوع  الحمام ده  .. وحسنا  فعلت.. لأن اليوم مكنش هينتهي بسهولة .. بعد شوية بدأوا  يزعقوا  فينا  جامد..  قوم  يابني  انت وهو  القطر جاي ... القطر جاي  يا دفعة  .. قوم  ياض منك له.. تحس اننا مذنبين وبنترحل على المعتقل مش ناس محترمة ليهم حياة برة واضطرتهم ظروف السخرة والتجنيد الإجباري في البلد الوسخة دي انهم يخشوا الجيش .. كان ليهم آمال وأحلام والجيش هدها.. الناس  قامت  وشالت الشنط والمِخَل  .. ومستنيين القطر يجي.. مفيش حاجة جت .. فين  بعد عشر دقايق كدة ولا حاجة القطر جه وموقفش على رصيف .. اتنين طلعوا الأول  وحدفنالهم الحاجة بعدها طلعنا احنا  .. وكان في ناس محتاسة مش عارفة تطلع القطر .. زي كيلاني مثلا اللي كان صعبان عليا طول الترحيل ومخلي بالي منه جامد .. وناس القطر كان بدأ يمشي وهي لسة مركبتش .. وناس اول ماطلعت  نامت مكان الشنط  ،ببساطة وعفوية وبدون مقدمات ..حطت راسها ونامت  ... المهم القطر اتحرك  ... وكنت  بدأت احس بجوع  شديد .. عشان مكلناش امبارح كويس ومفطرناش انهاردة  .. وجه الترحيل على غفلة فمتغديناش  .. كان في ناس بتعدي في القطر بلب وعسلية وقرص .. بس  مرضتش آكل بصراحة وقلت استحمل  شوية ميجراش  حاجة كلها شوية ونوصل  .. والشوية دول كانوا 3 ساعات .. في القطر عدى الكومساري  اللي بيلم التذاكر فده كان أول  حاجة تلفت انتباهي اننا في قطر مدني مش عسكري  .. شوية وعدى علينا عسكري من بتوع  الشرطة العسكرية وقالنا  محدش يدفع تذاكر .. فضلنا  قاعدين وقعدنا ندردش مع ملازم أول كدة  كان قصير وبشنب رفيع .. لابس مموه  وبيقلنا انه جاله  استدعا على عجرود  .. قالنا  إن السويس عموما مبتبقاش مستوفية أعدادها من  العساكر بسبب الوسايط  وكدة .. وبما  انه محدش عارف بكرة هيحصل إيه  .. فانتو هتروحوا  مؤقتا مشاة  لحد ما الظروف تتحسن وترجعوا دفاع جوي  تاني .. قلناله ده  الصولات بيقولوا ان  سلاحنا هيتغير .. قالنا الصولات مبيفهموش حاجة .. كلها كام شهر وترجعوا سلاحكم الأساسي .. مستحيل إن حد يتغير سلاحه  بعد  ما يقضي مركز التدريب .. لاحقاً طلع إن كلام الظابط  غلط طبعاً  وخلصت جيشي وأنا مشاة .. وخدت شهادتي على إنى سلاح مشاة عادي 


فضل القطر ماشي  يهبد فينا ويرزع  لحد ما  وقف  برضو في وسط الصحرا  زي  يوم الترحيل  بالظبط  .. موقفش  على رصيف عشان ننزل منه زي البني ادمين .. رمينا المخل  والشنط  ونزلنا  نط ... وفضلنا ماشيين  بنفادي  قضبان السكك الحديد  المصدية المرمية في كل مكان .. المكان كان بائس أوي وكل ما نبعد عن المحطة (الإفتراضية )  دي كل ما بيقل النور .. ولما  نزلنا  مبقيناش  لاقيين  نفسنا  فقعدت أنده على العيال  .. ولقيت  ناس  بتنده عليا.. مع  مواصلة المشي  بقيت  فعليا  مش  شايف  حاجة  وبخبط في اللى  قدامي .. وعرفت  ساعتها معنى الآية  (إن أخرج يده لم يكد يراها )  الليلة دي مكنش فيه  قمر  طالع  وكان  صوت الناس  وهيا  بتنده على  بعض  بيزودلك خوفك وارتباكك فعلا  مكنش  في  اي حاجة تمنع الناس  انها  تتوه  في الصحرا في  الضلمة دي  .. الدليل اللى ماشي قدام مكنش هاين عليه  حتى  ينور بولاعة ولا  بكشاف ولا أي  حاجة .. شوية شوية  لمحنا  نور من بعيد  كدة .. النور فعلا  بيديك  اطمئنان  في العتمة .. أعتقد ده كان  سبب بديهي  وكافي  انه يخلي  سيدنا موسى عليه السلام  يقف  ويتجه  ناحية  النور ويقول لأهله "سآتيكم بشهاب  قبس لعلكم تصطلون".


 لما  وصلنا  رمينا المِخَل على الأرض   وقالولنا اكتبوا اساميكو على المخلة عشان  هتتحط في عربية إيواز (الإيواز عربية نقل صغيرة في الغالب صناعة تشيكي وهي عربية سيئة في القيادة والصيانة معرفش ليه الجيش  بيجيبها لحد دلوقتى )  المهم الحمد لله كنت  كدة كدة  جايب معايا  أقلام الخط تحسبا  ان حد يطلب مني أوريله  خطي  عشان أخش مكتب شئون الأفراد ولا العمليات  واتظبط في الجيش وده اللى حصل  فيما  بعد بدون ترتيب مني؛ المهم كتبنا أسامينا  على المخل  ورميناها في العربية، وطلعنا اتوبيسات كبيرة.. كانت الساعة 10 ونص  تقريبا  ساعتها  .. تخيل معايا  اننا مكلناش من امبارح ولا نمنا  وده كان معاد النوم  اللى اتعودنا عليه .. المهم الاتوبيسات  خدتنا  لمكان كدة مكتوب على البوابة بتاعته قيادة الجيش الثالث بعجرود .. أول مرة كنت  أعرف اسم عجرود  دي .. يعني قد  ايه  بنبقى عايشين في بلدنا وبنتغنى  بترابها  وحبنا ليها  واحنا أصلا مش  عارفينها .. الاتوبيسات  دخلت  عجرود  وفضلت ماشية بينا   لحد ما  دخلنا على بوابة  تانية داخلية  اسمها  معسكر  الانضباط 

أول ما نزلنا من الأتوبيسات قالولنا  كل واحد يروح  يشوف مخلته  .. طبعا  عدد مهول من المخل واقفة ومرمية على الأرض كدة  زي  ما يكون عربية نقل محملة شكاير دقيق اتقلبت.. الناس  من كتر ما زهقت من التدوير على مخلها  بقت تاخد اي مخلة وتمشي..  ده غير اللى لقى إن مخلته  مفتوحة ومتقلبة .. شئ محزن أوي والله السرقة المتفشية في الجيش دي  بين العساكر.. احنا كنا  جايين جداد،  معنى كدة ان في عساكر  خلصت جيشها وعايزة تسلم المِخْلة .. وطبعا  الجيش  بيجبرك  تسلم  مخلتك  جديدة  وتتصرف وتجيب الحاجات الناقصة ..  يعني الأفرول اللى تلبسه  لازم ميكونش  استهلك  قبل كدة  عشان يقبلوا  ياخدوه منك في التسليم .. طبعا اللامنطق ده هيفضل ملازمك طول الجيش فمتستعجبش ... المهم  بعد  جهد  ووقت كبير  لقيت  مخلتي أخيراً .. ومكنش متاخد منها  حاجة الحمد لله  ولقيت بطاطيني كذلك  .. فده كان شئ  كويس جدا  الحقيقة

بعدها  رجعت  تاني لمكان  تجمع الناس .. لقيت  في  ناس  بتفرش البطاطين  استعدادا   للبيات .. واحنا كل ده مكلناش ولا نعرف هنتحرك تاني ولا هنبات ولا ايه بالظبط .. محدش عارف حاجة ومفيش حد عنده معلومات .. جه في بالي لو فرضا احنا في حرب حقيقية دلوقتى ايه كمية الاضطراب والبلبلة اللي عند الصولات والظباط دي؟! .. امال هنحارب ازاي؟ ونحارب مين اصلا!

فضلت افكر كدة لحد ما قطع تفكيري واحد بيقلي يلا عشان ناكل ..وانا كنت واقع من الجوع بجد ومستعد اكل اي حاجة .. لمحت يحيى وعماد واقفين مع ظابط كدة فروحت اندهلهم .. جم معايا واحنا ماشيين كدة عادي جه عسكري قديم وحب يعمل فيها فلوطة ووقفنا صفوف كل صف بيتكون من خمسة وبدأنا نمشي .. لما بدأنا نتململ قالنا امشوا الخطوة العسكرية ... بصراحة مكنش وقتوا خالص احنا هلكانين حرفيا وده بيقلنا امشوا الخطوة العسكرية عز الليل والساعة 11 ومفيش حد باصصلنا اصلا .. اتخنقت جدا .. بس ده كان تمهيد للي هشوفه بعد كدة في الجيش من عساكر زيها زيك داخلة تقضي خدمة وتمشي بس نفسيتها الضعيفة بتخليها تتطبع بطابع الظباط والصولات اللي جوة ويبدأ يخرج كبته وضعفه وخوفه عليك .. عموما وصلنا للميز ودخلنا في طابور وكان لسة متنضفش من وقت الغدا تقريبا كان فيه ع الارض رز كتير والريحة كانت وحشة اوى زي ريحة العيش المبلول في مية اللي بيأكلوه للبط ده ولما جيت اقعد لقيت فيه صراصير كتير تحت الترابيزات ... الوضع مزري .. بس انا جعان .. وافتكرت انى قعدت من غير ما اجيب صنية ( الصينية في الجيش اسمها سرفيس بتبقى صنية معدن متقسمة 3 اقسام وفيها مكان محفور لكوباية وسبق اتكلمت عنها في مركز تدريب ) المهم العسكري غرفلي كمية كبيرة اوى من المربى وكمية اكبر من الفول لدرجة انه كان بيدلدق مني طول ما انا ماشي .. كنت مستغرب .. من امتى الكرم ده يعني في الجيش .. عديت على العسكري اللي بعده اداني العيش ومثلثين جبنة نستو .. قعدت في مكان ما مفهوش صراصير بس كل الترابيزات كان عليها بقايا رز وعيش واول ما قعدت الصراصير جاتلي في الاول كانت بطني مقبوضة ومش قادر اكل .. خصوصا انى لقيت ان الفول حمضان عشان كدة الواد حطلي منه كتير .. حمضان بس سخن .. فكرت آكل واللي يحصل يحصل بس مرضتش في الاخر قلت اكل مربى وجبنة وخلاص مع انى كنت عايز اكل حاجة سخنة بشدة، الجبنة كان طعمها سيئ اوى كان عامل زي الصابون كدة وريحتها كانت مقرفة كانت ماركة غريبة اسمها جبنتي .. بس دي الحاجة الوحيدة المتاحة يعني والوحيدة برضو اللي متغلفة .. كلت المربى لقيتها ممررة من اماكن ومسكرة من اماكن تانية .. كنت بائس اوى .. تعبان والاكل قدامي ومش عارف اكله عشان الاكل لايصلح للانسان ولا حتى البهايم .. قمت وفضيت الاكل في الزبالة كما جرت العادة وخرجت.

لما خرجت لقيت واحد بيقلنا رايحين فين ؟ .. لازم تمشوا في تشكيل مينفعش تمشوا كدة بمزاجكوا .. مكنش لسة الواحد اتعود انك تسمع كلام عسكري زيه زيك كدة يؤمرك ويقلك تعمل ايه ومتعملش ايه .. بس عموما المشكلة دايما في الناس اللى بتبدأ تسمع الكلام بمجرد ما بيتقال وبالتالي لو خالفت هتبقى انت الوحيد الظاهر فيهم وبالتالي يسهل ساعتها عقابك وجعلك عبرة. المهم عملنا برضو تشكيل الجيش المعتاد .. خمس عساكر في كل صف والصفوف ورا بعضها بمسافة ذراع .. فضلنا ماشيين عادي فالعسكري اللى بيقودنا حب يجود ويمارس سلطته فقالنا امشوا المشية المعتادة .. كالعادة  ناس سمعت الكلام .. بس بقية الناس نفضولوا ومشيوا عادي لحد ما سمعنا زمارة عربية، ساعتها العسكري قالنا أقفوا أقفوا ، كنت فاكر انه بيعمل كدة عشان العربية متخبطش فينا، بس لقيته وقف انتباه  وعمل التحية العسكرية للعربية، المهم كملنا مشي لحد ما رجعنا المعسكر تاني اللى كنا فيه من شوية دورت على مكان الحاجة بتاعتي وقعدت، مفيش 10 دقايق لقيت واحد بينده على العساكر ويقول الناس اللى هتسمع أسماءها هتترحل دلوقتى!!