Wednesday, September 10, 2014

دايرة

بسم الله الرحمن الرحيم 


الدايرة شكل هندسي غاية في البساطة وغاية في التعقيد ، الدايرة (القوس ) اللي مع الخط بيعملوا كل الصور والرسومات بدون أدنى استثناء ..  بص كدة حواليك لأي صورة او رسمة او أي رمز اي حاجة عنندك في ال 2d مكونة من خط أو قوس من دايرة  وحتى برامج الرسم اللي شغالة بنظام ال scaler مبتتعاملش مع القوس كأنه حتة من داير بتتاعمل معاه كأنه مضلع polygon عدد اضلاعة كبير بحيث الزاوية بين كل ضلع وضلع تبقى تكاد تقارب ال 180 درجة .

الدايرة الشكل الهندسي اللي ملوش تعريف ثابت ونهائي .. في ناس عرفته انه منحنى منتظم البعد عن المركز غير معلوم بدايته او نهايته تعريف تاني يقول هو المنحنى الذي يمر برؤوس أضلاع مضلع زواياه تؤول ل 180 درجة .. وده التعريف اللي اشتغلت عليه برامج الرسم زي ما قلت في الفقرة اللي فاتت وكلمة ( تؤول ) في الرياضة يعني lim يعني النهايات .

الدايرة من ضمن تعريفاتها هو منحنى يمر بنهايات خطين متعامدين  متساوويين . المهم ان الشكل ده ملوش أي تعريف نهائي وملزم .. حتى الفيثاغورثيين  بجلالة قدرهم موصلوش لتعريف فلسفي شافي للموضوع ده كل اللي وصلوله ان الدايرة هي تعبير عن الفراغ اللانهائي وان اي دايرة هي عبارة عن لوجوس logos لدايرة أخرى وهكذا .. وطبعا معروف ان الفيثاغورثيون مكنوش بيحبوا يعترفوا بموضوع اللانهائية وما بعدها ده وكانوا بيتزنقوا جامد في التبرير ومبيعرفوش يردوا زي مثلا لما حبوا يتذاكوا وقالوا ان النقطة هي دائرة نصف قطرها صفر ودي حاجة مستحيلة متنفعش للتبرير أصلا .

دراسة الدايرة خرج منها علم كامل اسمه حساب المثلثات وحساب المثلثات ده ما هو الا دراسة الزاويا والعلاقات  اللي بيعملها نصف قطر دائرة ما مع الأفقي والرأسي وطبعا العلم ده  أساس تطور لعلوم كتير مش بس الرياضة وفي الهندسة هي الشكل الوحيد اللي بتتم دراسة تأثيره على بقية الأشكال مش العكس يعني على سبيل المثال احنا بندرس طول ضلع مثلث مرسوم داخل دائرة ومبندرسش نفس العلاقة بين المثلث والمستطيل مثلا او بين شكل بيضاوي وخماسي مثلا

الدايرة كرمز يمثل الحماية .. زي ما المثلث يمثل القوة والخماسي يمثل الكمال ، الدايرة كانت مكون أصيل في فكر كل الحضارات وحتى التجمعات القبلية البدائية . شوف مثلا دوران المولوية الصوفية المستنبط من حركة الأجرام حوالين مركزها  وحوالين مركز الشمس والدوران اللي بدور بيحقق النشوة النفسية ودي الحركة اللي بتوضح العلاقة بين ما هو مادي وما هو محسوس يعني حراكتك المادية دي اللي بتأثر على مراكز الاتزان اللي في ودنك تخليك تشعر بالنشوة اللي بدورها بتأثر بالايجاب على الحالة النفسية . حتى وصفك للحيرة في مختلف الثقافات بيتم التعبير عنه اننا بنلف في دواير وان التوهان المتكرر بيتم تشبيهه بأشكال دائرية 

وضاقت فلما استحكمت حلقاتها ..  فرجت  وكنت أظنها لا تفرج

الدايرة زي ما قلنا بتلخص فلسفة اللانهائية وما بعدها  حيث ان محيط الدايرة يمكن تحويله لخط مستقيم ولكن الخط المستقيم عند تحويله لدايرة بتدخل في جدليات اللابداية واللانهاية وده محور الفلسفة الوجودية يعني احنا دايما بنسأل نفسنا جينا منين ؟  وهنروح فين بعد الموت ؟ وهل الموت ده مرحلة مؤقتة (برزخ) ولا نهاية لبداية جديدة وفي القرآن (وأنه هو يبدئ ويعيد ) (وأن إلى ربك المنتهى) (إن الى ربك الرجعى ) الدايرة كانت بتوجه الانظار دايما لموضوع هو الله الأول والآخر والظاهر والباطن 

شوف مثلا الورد الصوفي اللي بيقول : 

لله دولاب يدور كأنه .. فلك ولكن ما ارتقاه كوكب

نصبته فوق النار أيد قدرت .. ترويحه الأرواح ساعة ينصب

فكأنه وهو الطليق مقيد .. وكأنه وهو الحبيس مسيب

للماء فيه تصاعد وتحدر .. كالمزن تستسقي البحار وتسكب 

هامت به الأحداق لما نادمت .. منه الحميرة ساقيا لا يشرب 

  حاجة غريبة جدا تقبل العين بصريا للدايرة بالشكل ده لأن الانسان بيميل بطبعه للسميترية (التناظر) والاشكال المنتظمة  والدايرة كمنحنى بيعمل شذوذ للانتظام ده وبرغم ذلك التصميمات اللي بتعتمد على المنحنيات بتبقى أشد جذبا للعين من التصميمات الصارمة شوف السيارات والأجهزة المنزلية وتصميمات الحدائق كمثال ، والغريب ان الفراعنة مهتموش بدراسة النسب الدائرية دي ومحدش وصل العلاقة بين الخط والدائرة الى مداها زي الفنانين المسلمين ، بعدهم عن التصوير وتركيزهم في استحداث اشكال و أنماط patterns بالدايرة لوحدها حاجة تثير العجب والاعجاب .. حتى النسب بتاعة انواع الخطوط ال calligraphy يعني مستخرجة برضه من نسب دائرية .

كالعادة الكلام عن الدايرة مبينتهيش :)