Tuesday, November 29, 2016

في مملكة الحيوان.. الدماء ليست دائماً حمراء!



الموضوع السابع عشر المنشور لي في الهافنجتون بوست عربي







في مملكة الحيوان .. الدماء ليست دائماً حمراء


نتَأمّل الطبيعة، فتتسع أعينُنا اندهاشاً؛ نحن البشر لسنا السكّان الوحيدون لكوكب الأرض، ولكننا 

جزء ضئيل من مملكة الحيوان، تلك المملكة العامرة بالعجائب والمعجزات.



يعيش هذا الأُخطبوط في مياه القارة المتجمدة الجنوبية "أنتاركتيكا"، ولكي يتكيف مع الطبيعة القاسية ذات الحرارة المنخفضة للغاية، فإنّه يمتلك دماءاً زرقاء، كما يتضح عند أطراف مِجساتِه.

يوجد بضعة أنواع أخطبوط أخرى، تجري في عروقها دماء زرقاء، بدلاً من لون الدماء الأحمر الذي يجري في عروقنا. هذا اللون الأزرق يأتي من مادة "الهيموسيانين" وهي عبارة عن مركبات بروتين غنية بالنحاس، وهي كما -في الإنسان- تحمل الأُكسجين من الرئتين إلى مجرى الدم ومنه إلى خلايا أعضاءِ الأُخطبوط؛ بينما في دماء الإنسان يوجد "الهيموجلوبين" وهو بروتين غني بالحديد -المسئول عن حُمرة الدم- يشغل ما يقارب ال 96% من كريات الدم الحمراء.

ما يجعل الكائنات البحرية في القارة المتجمدة قادرة على العيش في درجات حرارة منخفضة جداً هو أن أجسادها تطورت، فصارت خلايا الدم تفرز كميات أكبرمن "الهيموسيانين" الأمر الذي يجعلها قادرة على تبادل الأكسجين ليصل إلى بقية أعضاء الجسد.



أما هذه السمكة الشفافة المعروفة باسم "سمكة الجليد" يكون دمُها شفافاً تماماً، دماء هذا النوع من الأسماك يحتوي على نوع مختلف من البروتين يُدعى الـ "جلايكوبروتين"وهو ما يعمل كمادة مضادة للتجمد! وهذا أمر شائع في الكائنات التي تعيش في أعماق القطب الجنوبي السحيقة، لكن الغريب في هذا النوع من الأسماء أيضاً أنها بلا قشور، حيث يعتقد أن جلدها يمتص الأكسجين مباشرة! وحسب ما قال "ميكاييل أولرمانعالم الأحياء البحرية في البيئات القطبية:"وهو أمر جيد لهذه الأسماك إذ أن نسبة الأكسجين المذاب في جزيئات الماء تزيد كلما اشتد برودته".

تحفل القارة المتجمّدة الجنوبية بالكثير من الأمثلة على الكائنات العجيبة والتي تقدم كل يوم لغزاً جديداً يسعى العلماء لاكتشافه. 




تُعدُّ السقنقوريات من أغرب السحالي على وجه الأرض، يُوجد منها 1275 نوع، بعضها ذو جسد طويل شبيه بالثعبان ولكن مع وجود طرفين قصيرين في المقدمة، والبعض الأخر ذو أطراف رباعية مكتملة ذا حراشِف، بعضها يبيض كعامة السحالي، وبعضها يلد! ولكن الأغرب على الإطلاق هو أن هذه السحالي ذات دماء خضراء برغم إحتوائها على الهيموجلوبين!

ظل هذا الأمر لغزاً يحير العلماء لفترة من الوقت، ولكن أمكن فهم الأمر بمقارنتها بطبيعة تكسير الدم في جسم الإنسان؛ فالكبد في جسم الإنسان يكسّر الدماء بغرض إعادة استخدامها مرة أخرى عبر إعادة إنتاج الهيموجلوبين.

ينتج عن عملية التكسير تلك مركب يدعى الـ"بيليفردين" وهذا المركب -مع عوامل أخرى- ما يعطي كدماتنا لونها الأخضر الذي يتلاشى تدريجياً مع الوقت، الـ"بيليفيردين" مركب شديد السميّة لذا يطرده جسم الإنسان أولاً بأول بعد تكسيرِه لمركباتٍ أُخرى تُطرد في عملية الإخراج. فقط في هذه السحالي يتراكم الـ"بيليفردين" ليطغى لونه الأخضر على لون الهيموجلوبين الأحمر.

يقول "كريستوفر أوستن" الذي يعكف على دراسة هذه السحالي:" إن كمية (البيليفردين) في دماء هذه السحالي إذا ما توافرت في الجسم البشري فسيكون ميتاً لا محالة". يأمل "أوستن" -من خلال دراسته لهذا النوع من السقنقوريات- أن يتوصل إلى علاج فعّال للملاريا. وقد كتب "ابن البيطار" عن مستخلصات طبية يتم الحصول عليها من السقنقور في كتابه "الجامع لمفردات  الأدوية والأغذية". 

نأمل أن تكون عزيزي القارئ قد استمتعت بالمشاهدة في هذه الرحلة القصيرة جداً من خلال نافذتنا المفتوحة على غرائب الكائنات الحية، هذه الكائنات التي تحوي دماؤها كل ألوان الطيف. 

No comments: